
البروفيسور غبريال صوما
لبنان يحتاج لقرارات سياسية شاملة لإحتواء العجز والبدء في إعادة هيكلة كافة القطاعات
للدولة غبريال صوما بروفيسور في القانون الدولي وعضو في المجلس الإستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة فيرلي ديكنسون،محامٍ ذو خلفية شرق أوسطية. تخرج عام 1970 في الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق.
- هناك صراع إقتصادي كبير بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية،كيف تقيم بروفسور غبريال صوما هذه المنافسة الشرسة؟
في عام 2023، كان النمو الاقتصادي في الصين هو الأدنى منذ عام 1990 ــ بإستثناء سنوات الوباء ــ وهو يتجه نحو الإنخفاض، ومع سيطرة الإنكماش، تتراجع ثقة المستهلكين والشركات،وتتجاوز نسبة البطالة بين الشباب 20 في المائة، وفقا لآخر الأرقام المتاحة. وتراجعت سوق الأسهم أكثر من 12 في المائة العام الماضي. وإنخفض الأستثمار الأجنبي المباشر في الصين بنسبة 82 في المائة في عام 2023 وهو أدنى مستوى له منذ عام 1993 كذلك فإن سوق العقارات في حالة ركود كبير والميزانيات العمومية للبنوك الصينية تزداد سوأ،فالعملة تتعرض لضغوط تدفعها إلى الإنخفاض، كما تتسم البيئة الخارجية التي تواجه الصين بالتحديات.
إن التحدي الذي يواجه الإقتصاد الصيني في عام 2024 لن يتمثل في نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي من المرجح أن يتجاوز 4.5%. سيكون التحدي هو أن الإتجاه الوحيد من هناك هو نحو التراجع في الإقتصاد لعقود من الزمن منذ انفتاح الصين على العالم،ففي عام 1978، كانت الصين واحدة من أسرع الإقتصادات الكبرى نموًا على وجه الأرض،وفي الفترة بين عامي 1991 و2011،نما بنسبة 10.5% سنويًا،لكن خلال حكم الزعيم الصيني الحالي شي جين بينغ تباطأ التوسع، لكنه ظل في المتوسط 6.7% لغاية عام 2021. الإقتصاد الصيني،الذي واجه سلسلة من التحديات لم يصل إلى هذا الموقف بين عشية وضحاها ومن المتوقع أن يكون التحدي الأكبر للأسواق الأميركية أقله في العقد القادم.
الأزمة المالية العالمية
كانت الإدارة السابقة للرئيس هوجين تاو قد غمرت الإقتصاد بالسيولة في عام 2009 خلال ذروة الأزمة المالية العالمية لتعزيز النمو،وكانت حكومة شي جين بينغ مترددة في كبح جماح الإقتراض بعد وصولها إلى السلطة في عام 2012،الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشاكل الهيكلية،إن التباطؤ في إقتصاد الصين ناجم عن نهاية التوسع غير المسبوق في الإئتمان والإستثمار على مدى العقد الماضي،أضف الى ذلك إحتضان بكين العنيد لسياسة القضاء على كوفيدء19 المتمثلة في عمليات الإغلاق الصارمة وحملتها القمعية الشاملة على المؤسسات الخاصة، مما أضر بشدة بالثقة وأضر بالجزء الأكثر حيوية من الإقتصاد،هذا بالإضافة الى تفاقم أزمة العقارات،وقد دفع إنخفاض مبيعات المنازل بعض المستثمرين إلى حافة الإنهيار وقد امتدت الأزمة إلى القطاع المصرفي الضخم، مما تسبب في تخلف البنوك عن السداد وأثار ذلك الإحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
أداء سوق الأسهم
كل ذلك أدى إلى إنخفاض الأسهم في الصين وهجرة المستثمرين الأجانب،لقد فقدت الأسهم الصينية حوالي 6 تريليون دولار من قيمتها منذ عام 2021، وفي عام 2023، كان أداء المؤشرات القياسية في البلاد أقل بكثير من أداء المؤشرات الأمريكية والإقتصادات الكبرى الأخرى،في العام الماضي إرتفعت سوق الأسهم الأمريكية بنحو 25% وفي الصين،عبر مجموعة من المؤشرات، إنخفضت بنحو 25%.
أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تحقق أداءً جيدًا خلال الفترة 2024 – اقتصاد قوي،توظيف قوي،أرباح قوية ودولار قوي،الإنتاج القومي الآن في الولايات المتحدة يصل إلى 25 تريليون دولار، بينما يبلغ حجم الإقتصاد الصيني 18 تريليون دولار،هذا يشير إلى ان النمو في الولايات المتحدة أعلى من الصين، وهو الإتجاه الذي من المرجح أن يستمر في المستقبل. - معظم دول الشرق الأوسط تعتمد بإقتادها على البترول. ما هي مساوئ الإعتماد فقط على البترول
يتعرض مستقبل البلدان المنتجة للنفط لتغييرات كبيرة بسبب التحول من التغيرات في السوق التي يحركها العرض إلى السوق التي يحركها الطلب،مع تكثيف الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، وإتجاه سياسات الحكومات للحد من الطلب على النفط وتعزيز مصادر الطاقة البديلة،أصبحت التطورات التكنولوجية، وخاصة في السيارات الكهربائية،أكثر فعالية من حيث التكلفة،مما قد يؤدي إلى إنخفاض لاحق في الطلب العالمي على النفط مما سيؤثر سلباً على دول الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هناك نقص في العرض بسبب إنخفاض الإستثمار في إنتاج النفط وزيادة الطلب من جهود التعافي الإقتصادي في مختلف البلدان،ومع ذلك، قد تكون هذه هي الدورة الفائقة الأخيرة للنفط حيث تلتزم الإقتصادات الكبرى بالتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
وبشكل عام، فإن البلدان المنتجة للنفط تقف عند مفترق طرق، مع إحتمال زيادة النفوذ بالنسبة للبعض وصعوبة التعديلات الاقتصادية بالنسبة للبعض الآخر،وستكون وتيرة وإدارة تحول الطاقة أمرًا حاسمًا في تحديد مساراتها المستقبلية. - هل تعتقد أن عودة ترامب إلى البيت الإبيض ستنعكس إيجابًا على الإقتصاد في الشرق الأوسط؟
يلعب الإقتصاد الأميريكي دورًا مهمًا في الإقتصاد العالمي نظرًا لحجمه وترابطه مع إقتصاد دول العالم، تعد الولايات المتحدة واحدة من أكبر الإقتصادات العالمية،حيث تمثل ما يقارب من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي،ويمكن أن يكون لسياساتها الإقتصادية، تأثيرًا كبيرًا في إقتصاد الدول الأخرى.
على صعيدالإستثمار والتجارة، تعتبر الولايات المتحدة وجهة رئيسية للصادرات والإستثمار الأجنبي المباشر بحيث أن ألتغيرات في الإقتصاد الأمريكي سوف يؤثر على نمط التجارة العالمية وقرارات الإستثمار.
وبالنسبة للسياسة النقدية والدولار، فإن دور الدولار الأمريكي كعملة إحتياطية عالمية يعني أن السياسة النقدية الأمريكية يمكن أن تؤثر على أسعار الصرف وظروف التمويل العالمية، والإستقرار الإقتصادي في جميع أنحاء العالم،والقرارات السياسية والمالية والتجارية الأمريكية بإمكانها أن تخلق تأثيرات مضاعفة، تؤثر على سلاسل الإستيراد والتصدير العالمية،وأسعار السلع الأساسية، والنمو الإقتصادي في البلدان الأخرى،إن تعافي الإقتصاد الأمريكي من فترات الركود، مثل تلك التي شهدها خلال جائحة كوفيدء19، يمكن أن يعزز الثقة الإقتصادية العالمية والتعافي، نظرًا لمساهمته الكبيرة في النمو العالمي.
إن إنتخاب الرئيس السابق دونال ترامب لولاية ثانية في هذا العام سوف يساعد على حل مشكلة الغلاء في الولايات ألمتحدة وفي كافة دول العالم ومن بينها دول الشرق الأوسط،في ولاية ترامب الاولى كانت الولايات المتحدة تنتج حوالي ١٤ مليون برميل من النفط في اليوم الواحد مما أدى إلى إنخفاض في أسعار النفط العالمي،سياسة بايدن ترمي الى الحد من إستخراج النفط بحجة أنه يضر بالبيئة،هذه السياسة الخاطئة سمحت للدول المصدرة للنفط مثل روسيا وإيران وبقية الدول أن تزيد من إنتاجها للنفط وتحقيق أرباح هائلة على حساب المستهلك الأميريكي والمستهلك العالمي.
في ولاية ترامب كان الرقم القياسي لأسعار المستهلك، (أي كلفة المعيشة) بمعدل ١،٤٪. بعد وصول بايدن أصبحت ٧٪. في ولاية ترامب كانت فائدة الأستقراض من البنك لشراء البيت في حدود ٢،٧٥٪، اليوم في ولاية بايدن أصبحت ٧٪. عندما يرتفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة، هذا يؤدي إلى إرتفاعها في بقية دول العالمومن ضمنها دول الشرق الأوسط.
في ولاية ترامب كان يوجد سلم في العالم بسبب علاقاتنا الطيبة مع روسيا ومع الصين وحتى مع كوريا الشمالية،لم يكن هناك حرب في أوروبا ولا في الشرق الأوسط، ولم تكن الصين تطالب بضم تايوان. الأن نحن عل عتبة حرب مع الصين، والخوف من زيادة التوتر في القارة الأوروبية، وزيادة أعمال العنف في غزة والبحر الأحمر وفي جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل وميليشيات فصائل المقاومة في العراق وسوريا التي ضربت مواقع القوات الأميريكية اكثر من ١٨٠ ضربة منذ شهر اكتوبر الماضي، وكذلك الخوف من الحرب في القارة الافريقية بين الكونغو ورواندا، أضف إلى ذلك الطريقة الفوضوية في سحب القوات الاميريكية من أفغانستان التي أودت بحياة ١٣ جندي أميريكي في مطار كابول واكثر من ١٧٠ قتيل أفغاني. - لبنان يتأثر بالصراعات الإقليمية،ما هي الخطوات الواجب إتباعها للنهوض بالإقتصاد اللبناني؟
يواجه لبنان تحديات كبيرة على الصعيد الإقتصادي، والسياسي،على الصعيد الإقتصادي يمكن القول بأن لبنان يعاني من واحدة من أعلى نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وإرتفاع معدلات البطالة،وجزء كبير من السكان يعيشون تحت خط الفقر. أضف الى ذلك ان الليرة اللبنانية فقدت الكثير من قيمتها،مما أدى إلى تفاقم الإضطرابات الإقتصادية في البلد،على الصعيد السياسي يفتقد لبنان الى الإستقرار السياسي: سلطت إستقالة الحكومة وسط الغضب الشعبي في أعقاب إنفجار بيروت الضوء على السخط الذي كان يختمر منذ سنوات بسبب الإضطرابات الإقتصادية والفساد،وقد أدى الوضع إلى إحتجاجات حاشدة وإنعدام الثقة في النخبة السياسية في البلد، ويتاثر أمن لبنان بالتوترات الإقليمية وضعف التعاون الدولي، وتواجه البلاد تحديات مثل ملء المنصب الرئاسي الشاغر وإجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الإنتعاش الإقتصادي والإستقرار السياسي.
وهناك تحديات كبيرة تتعلق بالصحة والبيئة، فمثلا أدت جائحة كوفيدء19 والكوارث البيئية وإنفجار مرفأ بيروت إلى زيادة شل حركة لبنان، وعرقلة تطوره وتقليل قدرته على مواجهة الأزمات الإضافية،ويعد انهيار القطاع المصرفي،وتآكل الخدمات العامة، وتدهور البنية التحتية وتفاقم الفقر، من بين التحديات الإقتصادية الهائلة التي لا تزال قائمة بعد سنوات من بداية الأزمة.
بالإضافة إلى هذه التي يعاني منها، يستضيف لبنان عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، الأمر الذي له تداعيات اقتصادية وإجتماعية بعيدة المدى، تهدد وجود لبنان ذاته،وتعتبر إستجابة المجتمع الدولي لهذه المأساة الإنسانية غير كافية الى الآن
المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية تحاول مساعدة لبنان على الرغم من العقبات المتعلقة بالوضع الداخلي، فمثلا صندوق النقد الدولي يعتبر أن الحل الدائم يتطلب قرارات سياسية شاملة من البرلمان والحكومة لإحتواء العجز الخارجي والمالي والبدء في إعادة هيكلة القطاع المصرفي والشركات الكبرى المملوكة للدولة،وفي أواخر آب الماضي، دعا حاكم البنك المركزي المؤقت وسيم المنصوري الطبقة الحاكمة في لبنان إلى تنفيذ الإصلاحات الإقتصادية والمالية بسرعة، محذرًا من أن البنك المركزي لن يقدم قروضًا للدولة، وقال أيضًا يجب عدم التخطيط لطباعة النقود لتغطية العجز الضخم في الميزانية لتجنب تفاقم التضخم.
ويعيش لبنان في براثن أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث،منذ أن بدأ الانهيار المالي في تشرين الأول 2019، ظلت الطبقة السياسية في البلاد التي يُلام عليها بسبب عقود من الفساد وسوء الإدارة تقاوم الإصلاحات الإقتصادية والمالية التي طلبها المجتمع الدولي.
بدأ لبنان محادثات مع صندوق النقد الدولي في عام 2020 لمحاولة تأمين خطة إنقاذ، ولكن منذ التوصل إلى اتفاق أولي مع صندوق النقد الدولي العام الماضي، كان قادة البلاد مترددين في تنفيذ الإصلاحات اللازمة،وقال بيان صندوق النقد الدولي: “لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، وهذا سيؤثر على الإقتصاد لسنوات قادمة”. إن الإفتقار إلى الإرادة السياسية “لإتخاذ قرارات صعبة، ولكنها حاسمة،” لإطلاق الإصلاحات يترك لبنان مع قطاع مصرفي ضعيف، وخدمات عامة غير كافية، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم الفقر والبطالة. - الأأمير محمد بن سلمان وضع رؤية ٢٠٣٠. ما هي فرص نجاح هذه الرؤية؟
تمثل رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠ برنامجًا استراتيجيًا لتقليل إعتماد البلاد على النفط، وتنويع إقتصادها، وتطوير القطاعات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والترفيه والسياحة. تتلخص “الرؤيا ٢٠٣٠” بالتركيز على بناء مجتمع يقدر التقاليد الثقافية والعزة الوطنية والمرافق الحديثة،ويجسد روح الإسلام الحديث ويقدم خدمات إجتماعية فعالة،أما على صعيد الإقتصاد، فإنها تهدف إلى خلق بيئة أعمال داعمة للشركات بجميع أحجامها والإستثمار في التعليم للتحضير لوظائف المستقبل.
يرى الأمير محمد بن سلمان أنه من الضروري ألالتزام بالكفاءة والمساءلة على جميع المستويات، بما في ذلك بناء حكومة فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة وعالية الأداء.
وتتضمن الخطة مشاريع طموحة مثل نيوم، وهي مدينة ضخمة بقيمة تريليون دولار تُعرف باسم “ذا لاين”، والتي تعد جزءًا من جهود المملكة العربية السعودية لتأمين مستقبل إقتصادها القائم على النفط.
يبدو بان عددًا من الشركات مثل سيتي جروب وبلاك روك، وأوراكل، ومايكروسوفت قاموا بإستثمارات كبيرة في السعودية. هذا يساهم في انجاح الرؤية، وفي تنشيط وتحديث الإقتصاد السعودي. ولا تزال آفاق الإستثمار في المملكة العربية السعودية قوية،نرى ذلك في إرتفاع سوق الأوراق المالية،وهناك الثقة في التحول الإقتصادي السعودي، مما يجذب شركات بوينج وأوراكل وهيلتون العالمية، فضلاً عن الإهتمام المتزايد من بنوك وول ستريت.
لا شك بأن مشروع رؤية ٢٠٣٠ ينمو ويتقدم تدريجيًا، ونأمل أن يتم بنجاح،وذلك على بأنه ما زالت هناك بعض التعقيدات البيرقراطية وغيرها قائمة وأنه من الضروري التغلب عليها.
No responses yet